ولما رضي الرشيد عن يزيد بن مزيد أذن له بالدخول عليه فلما مثل بين يديه قال:
الحمد لله الذي سهّل لي سبيل الكرامة بلقائك، وردّ عليّ النعمة بوجه الرضا منك؛ وجزاك الله يا أمير المؤمنين في حال سخطك جزاء المحسنين المرغبين «١» وفي حال رضاك جزاء المنعمين المتطولّين؛ فقد جعلك الله وله الحمد تثبت تحرّجا عند الغضب، وتمتنّ تطوّلا «٢» بالنعم، وتستبقي المعروف عند الصنائع تفضلا بالعفو.
[المأمون وإبراهيم بن المهدي:]
لما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي، وهو الذي يقال له ابن شكلة، أمر بإدخاله عليه. فلما مثل بين يديه قال: وليّ الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، [والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له الاعتذار في الأمل هجمت به الأناة على التلف]«٣» ؛ وقد جعل الله كلّ ذنب دون عفوك، فإن صفحت فبكرمك، وإن أخذت فبحقّك.
قال المأمون: إني شاورت أبا إسحاق والعبّاس في قتلك، فأشارا عليّ به.
قال: أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر الملك ولما جرت عليه عادة السياسة، فقد فعلا؛ ولكنك أبيت أن تستجلب النصر إلا من حيث عوّدك الله. ثم استعبر باكيا.
قال له المأمون: ما يبكيك.
قال: جذلا، إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته. ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنه وإن كان جرمي يبلغ سفك دمي، فحلم أمير المؤمنين وتفضّله يبلغاني عفوه، ولي بعدهما شفاعة الإقرار بالذنب، وحرمة الأب بعد الأب.