عمرا وأراد أن يقطع كلامه، فقال له: أبا محمد، أتصف الرّطب؟ فقال: أجل، تلقحه الشمال وتخرّجه الجنوب، وتنضجه الشمس، ويصبغه القمر. قال: أبا محمد، هل تنعت الخراءة؟ قال: نعم، تبعد المشي في الأرض الصّحصح «١» حتى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تستنج بالقمّة والرّمة- يريد الروث والعظم- ولا تبل في الماء الراكد.
[مروان والحسن:]
بينما معاوية بن أبي سفيان جالس في أصحابه إذ قيل له: الحسن بالباب. فقال معاوية: إن دخل أفسد علينا ما نحن فيه! فقال له مروان بن الحكم: ائذن له؛ فإني أسأله ما ليس عنده فيه جواب. قال معاوية: لا تفعل فإنهم قوم قد ألهموا الكلام وأذن له؛ فلما دخل وجلس قال له مروان: أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن، ويقال إنّ ذلك من الخرق! فقال الحسن: ليس كما بلغك، ولكنا معشر بني هاشم أفواهنا عذبة شفاهها فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ وقبلهنّ؛ وأنتم معشر بني أمية فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواههنّ وأنفاسهنّ عنكم إلى أصداغكم؛ فإنما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك. قال مروان: إن فيكم يا بني هاشم خصلة سوء. قال: وما هي؟
قال: الغلمة «٢» . قال: أجل، نزعت الغلمة من نسائنا ووضعت في رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم، فما قام لأموية إلا هاشمي! فغضب معاوية وقال: قد كنت أخبرتكم فأبيتم حتى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم وأفسد عليكم مجلسكم.
فخرج الحسن وهو يقول:
ومارست هذا الدهر خمسين حجّة ... وخمسا أزجّي قائلا بعد قائل «٣»