لكلّ أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد «١»
فما إن تزال دار حيّ قد اخربت ... وقبر بأفناء البيوت جديد
هم جيرة الأحياء أمّا مزارهم ... فدان وأمّا الملتقى فبعيد
[للرقاشي:]
وقال مررت بيزيد الرقاشي وهو جالس بين المدينة والمقبرة، فقلت له: ما أجلسك ههنا؟ قال: أنظر إلى هذين العسكرين، فعسكر يقذف الأحياء، وعسكر يلتقم الموتي! ثم نادى بأعلى صوته: يا أهل القبور الموحشة التي قد نطق بالخراب فناؤها، ومهّد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب؛ لا يتواصلون تواصل الإخوان، ولا يتزاورون تزاور الجيران؛ قد طحنهم بكلكله «٢» البلى، وأكلهم الجنادل والثرى.
وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إذا دخل المقبرة قال: أما المنازل فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما الأزواج فقد نكحت؛ فهذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما عندكم؟ ثم قال: والذي نفسي بيده، لو أذن لهم في الكلام لقالوا: إن خير الزاد التقوى.
وكان علي بن أبي طالب إذا دخل المقبرة قال: السلام عليكم يأهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات؛ اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم. ثم يقول: الحمد لله الذي جعل لنا الأرض كفاتا «٣» أحياء وأمواتا، والحمد لله الذي منها خلقنا، وإليها معادنا، وعليها محشرنا؛ طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل الحسنات، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله عز وجل.
وكان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا دخل المقبرة قال: «السلام عليك دار قوم مؤمنين، وإنا إن