الحق أكبر منه؟ قال له: اسكت؛ قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: ما أظنك تقول حقا حتى تقوم؛ قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر. فقال: اقض حاجته الساعة وأخرجه من الشأم حتى لا يفسد عليّ الناس.
ومن الأسجاع قول ابن القرّيّة، وقد دعي لكلام فاحتبس القول عليه، فقال: قد طال السّمر، وسقط القمر، واشتدّ المطر فما انتظر. فأجابه فتى من عبد القيس: قد طال الأرق، وسقط الشفق، فلينطق من نطق.
[كتاب من عمرو بن مسعدة إلى المأمون:]
قال أحمد بن يوسف الكاتب: دخلت على المأمون وبيده كتاب لعمرو بن مسعدة، وهو يصعّد في ذراه، ويقوم مرة ويقعد أخرى، ففعل ذلك مرارا، ثم التفت إليّ فقال: أحسبك مفكرا فيما رأيت؟ قلت: نعم، وقى الله عز وجل أمير المؤمنين المكاره، فقال: ليس بمكروه، ولكن قرأت كلاما نظير خبر خبّرني به الرشيد، سمعته يقول: إن البلاغة لتقارب من المعنى البعيد وتباعد من حشو الكلام، ودلالة بالقليل على الكثير. فلم أتوهّم أن هذا الكلام يستتبّ على هذه الصفة حتى قرأت هذا الكتاب، فكان استعطافا على الجند، وهو:
«كتابي إلى أمير المؤمنين أيده الله، ومن قبلي من أجناده وقوّاده في الطاعة والانقياد على أفضل ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم واختلت أحوالهم» .
فأمر بإعطائهم ثمانية أشهر.
ووقع جعفر البرمكي إلى كتّابه: إن استطعتم أن تكون كتبكم توقيعات فافعلوا.
وأمره هارون الرشيد أن يعزل أخاه الفضل عن الخاتم ويأخذه إليه عزلا لطيفا فكتب إليه: قد رأى أمير المؤمنين أن ينقل خاتم خلافته من يمينك إلى شمالك.
فكتب إليه الفضل: ما انتقلت عني نعمة صارت إليك ولا خصّتك دوني.
ووقّع جعفر في رقعة رجل تنصّل إليه من ذنب: تقدمت لك طاعة، وظهرت