أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك؛ وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، إلا نظرت في أمري نظر من برئى أحبّ إليه من سقمي، وبراءتي أحبّ إليه من جرمي.
وقال خالد بن عبد الله لسليمان بن عبد الملك حين وجد عليه: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تذهب الحفيظة؛ وأنت تجلّ عن العقوبة ونحن مقرّون بالذنب؛ فإن تعف عنّي فأهل ذلك أنت، وإن تعاقبني فأهل ذلك أنا.
وأمر معاوية بن أبي سفيان بعقوبة روح بن زنباع، فقال له: أنشدك الله يا أمير المؤمنين ألا تضع مني خسيسة أنت رفعتها، أو تنقض منّي مريرة أنت أبرمتها «١» ، أو تشمت بي عدوّا أنت وقمته «٢» ، إلّا أتى حلمك وصفحك على خطئي وجهلي. فقال معاوية: خلّيا عنه، إذا أراد الله أمرا يسّره.
وجد عبد الملك بن مروان على رجل فجفاه واطّرحه، ثم دعا به ليسأله عن شيء، فرآه شاحبا ناحلا؛ فقال له: مذ متى اعتللت؟ فقال:
ما مسّني سقم ولكنّني ... جفوت نفسي إذ جفاني الأمير
وآليت ألا أرضى عنها حتى يرضى عني أمير المؤمنين. فأعاده إلى نفسه.
وقعد الحسن بن سهل لنعيم بن حازم، فأقبل إليه حافيا حاسرا وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء، ذنبي أعظم من الأرض. فقال له الحسن: على رسلك أيها الرجل، لا بأس عليك، قد تقدمت لك طاعة، وحدثت لك توبة، وليس للذنب بينهما موضع، ولئن وجد موضعا فما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.
[المأمون وهاشمي أذنب:]
أذنب رجل من بني هاشم ذنبا إلى المأمون، فعاتبه فيه. فقال: يا أمير المؤمنين، من حمل مثل دالّتي، ولبس ثوب حرمتي، ومتّ «٣» بمثل قرابتي، اغتفر له فوق زلّتي.