حدثنا ابو جعفر البغدادي قال: كان بالجزيرة رجل يبيع نبيذا في ناجود «١» له وكان بيته من قصب، وكان يأتيه قوم يشربون عنده، فإذا عمل فيهم الشراب قال بعضهم لبعض: أما ترون بيت هذا النّبّاذ من قصب! فيقول بعضهم: عليّ الآجر! ويقول الآخر: علي الجصّ! ويقول الآخر: عليّ اجرة العامل! فإذا اصبحوا لم يعملوا شيئا. فلما طال ذلك على النبّاذ قال:
لنا بيت يهدم كلّ يوم ... ويصبح حين يصبح جذم خصّ «٢»
إذا ما دارت الاقداح قالوا ... غدا نبني بآجرّ وجصّ «٣»
وكيف يشيّد البنيان قوم ... يمرّون الشتاء بغير قمص!
[حارثة بن بدر وزياد]
ودخل حارثة بن بدر على زياد وبوجهه أثر فقال له: ما هذا؟ قال. ركبت فرسي الاشقر فصرعني. قال: أما إنك لو ركبت الاشهب ما صرعك.
أراد حارثة بالاشقر: النبيذ! وأراد زياد بالاشهب: اللبن.
وكان قيس بن عاصم يأتيه في جاهليته تاجر خمر، فيبتاع منه، ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفذ ما عنده؛ فشرب قيس ذات يوم فسكر سكرا قبيحا، فجذب ابنته وتناول ثوبها، ورأى القمر فتكلم بشيء، ثم انتهب مال الخمار، وأنشأ يقول:
من تاجر فاجر جاء الاله به ... كأن لحيته أذناب أجمال
جاء الخبيث ببيسانية تركت ... صحبي وأهلي بلا عقل ولا مال «٤»
فلما صحا أخبر بما صنع، وما قال، فآلى ان لا يذوق خمرا أبدا.