للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون لا تبعدوهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا

[لأفنون في بكاء نفسه:]

وقال رجل من بني تغلب يقال له أفنون، وهو لقبه، واسمه ضريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن عمرو بن مالك بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب، ولقي كاهنا في الجاهلية، فقال له: إنك تموت بمكان يقال له الاهة. فمكث ما شاء الله، ثم سافر في ركب من قومه إلى الشام فأتوها، ثم انصرفوا فضلوا الطريق، فقالوا لرجل: كيف نأخذ؟ فقال: سيروا حتى إذا كنتم بمكان كذا وكذا ظهر لكم الطريق ورأيتم الإهة- وإلاهة قارة بالسماوة- فلما أتوها نزل أصحابه وأبى أن ينزل؛ فبينما ناقته ترتعي وهو راكبها إذ أخذت بمشفر ناقته حية، فاحتكت الناقة بمشفرها فلدغت ساقه، فقال لأخيه وكان معه، واسمه معاوية: احفر لي فإني ميت ثم تغنّى قبل أن يموت يبكي نفسه:

لست على شيء، فروحن معاويا ... ولا المشفقات إذ تبعن الحوازيا «١»

ولا خير فيما كذّب المرء نفسه ... وتقواله للشيء يا ليت ذا ليا

وإن أعجبتك الدّهر حال من امريء ... فدعه وواكل حاله واللياليا

يرحن عليه أو يغيّرن ما به ... وإن لم يكن في خوفه العيث وانيا

فتطأ معرضا إنّ الحتوف كثيرة ... وإنك لا تبقي بنفسك باقيا

لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتّقي ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا

كفى حزنا أن يرحل الرّكب غدوة ... وأنزل في أعلى إلاهة ثاويا

قال: فمات فدفنوه بها.

وقال هدبة العذري لما أيقن بالموت:

ألا علّلاني قبل نوح النّوائح ... وقبل اطلاع النفس بين الجوانح

وقبل غد يا لهف نفسي على غد ... إذا راح أصحابي ولست برائح