فيه فساد الكل، فقدّر جل ثناؤه بنية للكل تقديرا محكما، فصيّر بعضه سوانح لبعض «١» ، يختار بإرادته ومشيئته غير مقهور مما هو أصلح وأحكم في بنية الكل؛ فتقدير هذه السوانح هو القدر. فبالقضاء والقدر ساس جلّ ثناؤه جميع ما أبدع، فهذه السياسة المحكمة المتقنة التي لا يدخلها زلل ولا نقص. فاتضح أنّ كل معلول فيما قسم له ربّه من الأحوال لا خارج عنها، وأنّ بعض ذلك باضطرار وبعضه باختيار، وأن المختار عن سوانح قدره اختار، وبإرادته لا بالكره منه فعل.
سئل أعرابيّ عن القدر فقال: ذاك علم اختصمت فيه الظنون، وكثر فيه المختلفون، والواجب علينا أن نردّ ما أشكل من حكمه إلى ما سبق من علمه.
واصطحب مجوسيّ وقدري في سفر، فقال القدري للمجوسي: مالك لا تسلم قال: إن أذن الله في ذلك كان. قال: إنّ الله قد أذن، إلا أن الشيطان لا يدعك.
قال: فأنا مع أقواهما.
وقال رجل لهشام بن الحكم: أنت تزعم أنّ الله في فضله وكرمه وعدله كلّفنا ما لا نطيقه ثم يعذّبنا عليه؟ قال هشام: قد والله فعل، ولكن لا نستطيع أن نتكلم.
[عمر بن عبيد وابن مسكين:]
اجتمع عمرو بن عبيد مع الحارث بن مسكين بمنى، فقال له: إنّ مثلي ومثلك لا يجتمعان في مثل هذا الموضع فيفترقان من غير فائدة؛ فإن شئت فقل، وإن شئت فأنا أقول. قال له: قل. قال: هل تعلم أحدا أقبل للعذر من الله عز وجل؟ قال: لا. قال:
فهل تعلم عذرا أبين من عذر من قال «لا أقدر» فيما تعلم أنت أنه لا يقدر عليه؟
قال: فلم لا يقبل؟ من لا أقبل للعذر منه، عذر من لا أبين من عذره؟ فانقطع الحارث بن مسكين فلم يردّ شيئا.