وقيل لآخر: كيف كتمانك للسر؟ قال: ما قلبي له إلا قبر.
وقال المأمون: الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة أشياء: القدح في الملوك، وإفشاء السر، والتعرّض للحرّم.
وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا، أفلا أحدثك به؟
قال لا، يا بني، إنه من كتم سره كان الخيار له، [ومن أفشاه كان الخيار عليه «١» ] فلا تكن مملوكا بعد أن كنت مالكا.
[ملك من ملوك العجم استشار وزيريه]
: وفي التاجر أنّ بعض ملوك العجم استشار وزيريه، فقال أحد هما: لا ينبغي للملك أن يستشير منّا أحدا إلا خاليا به؛ فإنه أموت للسر، وأحزم للرأي، وأجدر بالسلامة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض؛ «٢» فإن إفشاء السرّ إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة؛ لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني مطلق عنه ذلك الرهن. والثالث علاوة فيه. فإذا كان السر عند واحد كان أحرى أن لا يظهره رغبة ورهبة، وإن كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة، واتسعت على الرجلين المعاريض. فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئا بخيانة مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة معه.
[لعمر بن ابي ربيعة في السر]
: ومن أحسن ما قالت الشعراء في السر قول عمر بن أبي ربيعة:
فقالت وأرخت جانب الستر: إنما ... معي فتحدّث غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها: ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي