قلت له: أبو من أعزك اللَّه؟ قال: أبو عيشونة الخياط، شهدت حروب ابن زبيدة كلها، وجاريت الفتيان في غاية كل ميدان، واعترف لي كلّ فاتك، وأذعن لي كل شاطر، ونزلت تلك الدار عشرين سنة- وأومأ إلى سجن بغداد- ثم تنفس الصعداء، وقال: أنا الذي أقول:
لي فؤاد مستهام ... وجفون لا تنام
ودموع اخر الدّه ... ر لعينيّ سجام «١»
وحبيب كلّما خا ... طبته قال سلام
فإذا ما قلت زرني ... قال لي: ذاك حرام!
ثم بكى، فلما أفاق قلت: ما يبكيك؟ قال: وكيف لا أبكي ولي حبيب بالبصرة علقته وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم غبت عنه ثلاثا وثلاثين سنة، فلما عيل صبري خرجت إلى البصرة فطفت في شوارعها حتى رأيته، فما رأيت وجها أحسن منظرا ولا أزهى منه. ثم أنشأ يقول:
مردّة في كمده ... معذّب في سهده «٢»
خلا به السّقم، فما ... أسرعه في جسده
يرحمه لما بدا ... من ضرّه ذو حسده.
ثم ودعني ومضيت.
[جارية في الطواف]
وحدث أبو الفضل قال: إني بالطواف أمام الحجر، إذا سمعت حنينا يخرج من بين الأستار، وإذا بقائل يقول:
عفا اللَّه عمّن يحفظ الودّ جهده ... ولا كان عفو اللَّه للنّاقض العهد