فلما أعادت من بعيد بنظرة ... إليّ التفاتا أسلمته المحاجر
فقال الشعبي: الصغير أكيسهما «١» . يريد الزير، ثم قال: يا هذه، أرخي من يمّك، وشدّي من زيرك «٢» . فقال له بشر: وما علمك؟ قال: أظن العمل فيهما. قال:
صدقت، ومن لم ينفعه ظنّه لم ينفعه يقينه.
[قرشي ورجل يغني في المسجد]
وحدث عن أبي عبد الله البصري قال: غنّى رجل في المسجد الحرام وهو مستلق على قفاه صوتا، ورجل من قريش يصلي في جواره؛ فسمعه خدّام المسجد فقالوا: يا عدو الله، تغني في المسجد الحرام! ورفعوه إلى صاحب الشرطة، فتجوز القرشي في صلاته؛ ثم سلم واتبعه، فقال لصاحب الشرطة: كذبوا عليه أصلحك الله، إنّما كان يقرأ! فقال يا فساق، أتأتوني برجل قرأ القرآن تزعمون انه غنّى خلوا سبيله! فلما خلّوه قال له القرشي: والله لولا انك أحسنت وأجدت ما شهدت لك، اذهب راشدا.
[أبو حنيفة وجار له]
وكان لابي حنيفة جار من الكيالين مغرم بالشراب، وكان أبو حنيفة يحيي الليل بالقيام، ويحييه جاره الكيال بالشراب، ويغني على شرابه:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فأخذه العسس «٣» ليلة فوقع في الحبس، وفقد أبو حنيفة صوته واستوحش له؛ فقال لاهله: ما فعل جارنا الكيال؟ قالوا: أخذه العسس فهو في الحبس. فلما اصبح ابو حنيفة وضع الطويلة على رأسه، وخرج حتى أتى باب عيسى بن موسى، فاستأذن عليه، فأسرع في إذنه- وكان أبو حنيفة قليلا ما يأتي الملوك- فأقبل عليه عيسى