في ليلة التّمّ لا يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر
لم يحجب الصّوت أجراس ولا غلق ... فدمعها لطروق الصّوت منحدر
لو خلّيت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من لينه للمشي ينفطر
فسمعت الذلفاء صوت سنان، فخرجت إلى وسط الفسطاط تستمع؛ فجعلت لا تسمع شيئا من [حسن] خلق ولطافة قدّ، إلا الذي وافق المعنى؛ ومن نعت الليل واستماع الصوت؛ إلا رأت ذلك كله في نفسها ومهبها، فحرك ذلك ساكنا في قلبها، فهملت «١» عيناها، وعلا نشيجبها «٢» ، فانتبه سليمان فلم يجدها معه، فخرج إلى صحن الفسطاط فرآها على تلك الحال، فقال لها: ما هذا يا ذلفاء؟ فقالت:
ألا ربّ صوت رائع من مشوّة ... قبيح المحيّا واضع الأب والجدّ
يروعك منه صوته ولعلّه ... إلى أمة يعزى معا وإلى عبد
فقال سليمان: دعيني من هذا فو الله لقد خامر قلبك منه خامر! يا غلام، عليّ بسنان. فدعت الذلفاء خادما لها فقالت: إن سبقت رسول أمير المؤمنين إلى سنان، فحذّره ولك عشرة آلاف درهم وأنت حر لوجه الله تعالى! فخرج الرسول فسبق رسول سليمان؛ فلما أتي به قال: يا سنان، ألم أنهك عن مثل هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين حملني الثمل وأنا عبد أمير المؤمنين وغذيّ نعمته؛ فإن رأى امير المؤمنين أن لا يضيع حظّه من عبده فليفعل. قال: أما حظي منك فلن أضيعه، ولكن ويلك! أما علمت أن الرجل إذا تغنى أصغت المرأة إليه، وأن الحصان إذا صهل ودقت له الفرس، وأن الفحل إذا هدر صغت له الناقة، وأن التيس إذا نبّ «٣» استحرمت له الشاة؟ وإياك والعود إلى ما كان منك يطول غمّك.
[أبو السمراء وامرأة بالمدينة]
قال إسحاق: حدثني أبو السمراء قال: حججت فبدأت بالمدينة، فإني لمنصرف من