قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإذا بامرأة بفناء المسجد تبيع من طرائف المدينة، وإذا هي في ناحية وحدها وعليها ثوبان خلقان، وإذا هي ترجّع بصوت خفي شجي، فالتفتّ فرأيتها فوقفت، فقالت: هل من حاجة؟ قلت تزيدين في السماع! قالت: وأنت قائم؟
لو قعدت! فقعدت كالخجل، فقالت: كيف علمك بالغناء؟ فقلت: علم لا أحمده، قالت: فعلام أنفخ بغير نار؟ ما منعك من معرفته؟ فو الله إنه لسحوري وفطوري! قلت: وكيف وضعته بهذا الموضع العالي؟ قالت: يا هذا، وهل له موضع يوضع به وهو في علوه في السماء الشاهقة؟ قلت: فكل هؤلاء النسوة اللاتي أرى على مثل رأيك وفي مثل حالك؟ قالت؟: فيهن وفيهن ... ، ولي بينهن قصة. قلت: ومان هي؟ قالت:
كنت أيام شبابي وأنا في مثل هذه الخلقة التي ترى من القبح والدمامة، وكنت أشتهي الجماع شهوة شديدة وكان زوجي شابا وضيئا، وكان لا ينتشر عليّ حتى أتحفه وأطيّبه وأسكره، فأضرّ ذلك بي؛ وكان قد علقته امرأة قصّار «١» تجاورني، فزاد ذلك في غمي؛ فشكوت إلى جارة لي ما أنا فيه، وغلبة امرأة القصار على زوجي؛ فقالت:
أدلّك على ما ينهضه عليك ويرد قلبه إليك! قلت: وابأبي أنت! إذا تكونين أعظم الخلق منة عليّ. قالت: اختلفي إلى مجمع مولى الزبير، فإنه حسن الغناء، فاعلقي من غنائه أصواتا عشرة، ثم غنيّ بها زوجك، فإنه سيجامعك بجوارحه كلها! قالت:
فالتطت بمجمعه، فلم أفارقه حتى رضيني حذاقة ومعرفة؛ فكنت إذا أقبل زوجي اضطجعت ورفعت عقيرتي «٢» ثم تغنيت، فإذا غنيت صوتا بت على نيّف، وإن غنيت صوتين بت على اثنين، وان غنيت ثلاثة فثلاثة.
فكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
قال: فضحكت والله حتى أمسكت على بطني، وقلت: يا هذه، ما أظن أنه خلق مثلك! قالت: اخفض من صوتك، قلت: ما كان أعظم منّة من المشورة قالت: