قال: لقد بؤت إذا بأعباء الندم، وسعيت في استجلاب النّقم؛ وما ذلك يا أمير المؤمنين، إلا بغي باغ نافسني فيك بقديم الولاية، وحقّ القرابة، يا أمير المؤمنين، إنك خليفة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم في أمته، وأمينه على رعيته، لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة؛ ولها عليك التثبّت في حادثها، والعدل في حكمها.
فقال له هارون: تضع لي من لسانك، وترفع عليّ من جنانك بحيث يحفظ الله لي عليك! هذا قمامة كاتبك يخبرني بفعلك.
فقال عبد الملك: أحقا يا قمامة؟
قال: نعم لقد أردت ختل «١» أمير المؤمنين والغدر به.
فقال عبد الملك: كيف لا يكذب عليّ من خلفي من بهتني «٢» في وجهي؟
قال الرشيد: هذا ابنك شاهد عليك.
قال: يا أمير المؤمنين، هو بين مأمور أو عاق؛ فإن كان مأمورا فمعذور، وإن كان عاقّا فما أخاف من عقوقه أكثر.
وقال له الرشيد يوما وكان معتلا عليه: أتبقّون بالرّقّة؟ قال: نعم، ونبرغث! قال: يا بن الفاعلة! ما حملك على أن سألتك عن مسألة فرددت عليّ في مسألتين؟ وأمر به إلى الحبس؛ فلم يزل في حبسه حتى أطلقه الأمين.
[لعبد الملك بن صالح بعد خروجه من السجن:]
إبراهيم بن السّندي قال: سمعت عبد الملك بن صالح يقول بعد إخراج المخلوع له من الحبس، وذكر الرشيد وفعله به، فقال: والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنّيته، ولا نصبت له ولا أردته، ولو أردته لكان إليّ أسرع من الماء إلى الحدور «٣» ، ومن النار إلى يبس العرفج «٤» ؛ وإني لمأخوذ بما لم أجن، ومسئول عما لم أعرف، ولكن حين رآني للملك قمينا «٥» ، وللخلافة خطيرا، ورأى لي يدا تنالها إذا مدّت،