باللين، وحسر عن ذراعيه، وشمر عن ساقيه، واعد للأمور أقرانها وللحرب آلتها، فلما أصابه قنّ «١» المغيرة بن شعبة، أمر ابن العباس أن يسأل الناس هل يثبتون قاتله؟
فلما قيل له قنّ المغيرة استهل «٢» بحمد الله أن لا يكون أصابه من له حق في الفيء، فيستحل دمه بما استحل من حقه؛ وقد كان أصاب من مال الله بضعة وثمانين ألفا فكسر بها رباعه «٣» ، وكره بها كفالة أهله وولده، فأدّى ذلك إلى الخليفة من بعده، وفارق الدنيا تقيا نقيا على منهاج صاحبه.
ثم إنّا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ضلع أعوج، ثم إنك يا عمر ابن الدنيا ولدتك ملوكها، وألقمتك ثديها، فلما وليتها ألقيتها وأحببت لقاء الله وما عنده؛ فالحمد لله الذي جلا بك حوبتنا، وكشف بك كربتنا. امض ولا تلتفت، فإنه لا يغني عن الحق شيء، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين وللمؤمنات.
ولما قال: ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ضلع أعوع. سكت الناس كلهم غير هشام، فإنه قال: كذبت!
[وخطبة أيضا لعمر بن عبد العزيز]
قال أبو الحسن: خطب عمر بن عبد العزيز بخناصرة «٤» خطبة لم يخطب بعدها حتى مات، رحمه الله. حمد الله وأثني عليه، ثم قال:
أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثا، ولم تتركوا سدى؛ وإن لكم معادا يحكم الله بينكم فيه، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السموات والأرض، واعلموا أن الأمان غدا لمن خاف اليوم وباع قليلا بكثير، وفانيا بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلّفها من بعدكم الباقون [كذلك] حتى تردوا إلى خير الوارثين؛ ثم إنكم في كل يوم تشيّعون غاديا ورائحا