فتصدقوا؛ إن الله يجزي المتصدقين! قال هشام: هل من حاجة غير هذه يا أعرابي؟
قال: ما ضربت إليك أكباد الإبل أدّرع الهجير، وأخوض الدجا لخاصّ دون عام، ولا خير في خير لا يعم. فأمر له هشام بأموال فرّقت في الناس؛ وأمر للأعرابي بمال فرّقه في قومه.
[لبعض الأعراب:]
طلب أعرابي من رجل حاجة فوعده قضاءها؛ فقال الأعرابي: إن من وعد قضى الحاجة وإن كثرت؛ والمطل من غير عسر آفة الجود.
وقال أعرابي، وأتى رجلا لم تكن بينهما حرمة في حاجة له، فقال: إني امتطيت إليك الرجاء، وسرت على الأمل، ووفدت بالشكر، وتوسلت بحسن الظن: فحقق الأمل، وأحسن المثوبة، وأكرم القصد، وأتم الود، وعجل المراد.
وقف أعرابي على حلقة يونس النحوي، فقال: الحمد لله، وأعوذ بالله أن أذكر به وأنساه، إنا أناس قدمنا هذه المدينة ثلاثون رجلا؛ لا ندفن ميتا؛ ولا نتحول من منزل وإن كرهناه؛ فرحم الله عبدا تصدّق على ابن سبيل، ونضو «١» طريق، ورسل سنة؛ فإنه لا قليل من الأجر؛ ولا غني عن الله، ولا عمل بعد الموت؛ يقول الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
«٢» إن الله لا يستقرض من عوز؛ ولكن ليبلو خيار عباده.
وقف أعرابي في شهر رمضان على قوم؛ فقال: يا قوم لقد ختمت هذه الفريضة على أفواهنا من صبح أمس، ومعي بنتان لي، والله ما علمتهما تخلالا بخلال؛ فهل رجل كريم يرحم اليوم مقامنا، ويرد حشاشتنا؛ منعه الله أن يقوم مقامي فإنه مقام ذل وعار وصغار! فافترق القوم ولم يعطوه شيئا! فالتفت إليهم حتى تأملهم جميعا، ثم