فأما كتابك إليّ فلعمري لقد ضعف فيه عقلك، واستخف به حلمك، فلله أبوك! أفلا انتصرت بقضاء الله دون قضائك، ورجاء الله دون رجائك وأمتّ غيظك وأمنت عدوك، وسترت عنه تدبيرك، ولم تنبّهه فيلتمس من مكايدتك ما تلتمس من مكايدته؟ ولكنك لم تستشفّ «١» الأمور علما، ولم ترزق من أمرك حزما، جمعت أمورا دلّاك فيها الشيطان على أسوأ أمرك، فكان الجفاء من خليقتك، والحمّق من طبيعتك، وأقبل الشيطان بك وأدبر، وحدّثك أنك لن تكون كاملا حتى تتعاطى ما يعيبك، فتحذلقت حنجرتك لقوله، واتسع جوانبها لكذبه، وأما قولك لو ملكك الله لعلّقت زينب ابنة يوسف يثدييها؛ فأرجو أن يكرمها الله بهوانك وأن لا يوفق ذلك لك إن كان ذلك من رأيك؛ مع أني أعرف أنك كتبت إلي والشيطان بين كفيك، فشرّ ممل علي شرّ كاتب راض بالخسف «٢» ، فأحر بالحق أن لا يدلك على هدى، ولا يردّك إلا إلى ردى؛ وتحلب فوك للخلافة، فأنت شامخ البصر، طامح النظر تظن أنك حين تملكها لا تنقطع عنك مدتها؛ إنها للقطة الله، أسأل الله أن يلهمك فيها الشكر. مع أني أرجو أن ترغب فيما رغب فيه أبوك وأخوك فأكون لك مثلي لهما، وإن نفخ الشيطان في منخريك فهو أمر أراد الله نزعه عنك وإخراجه إلى من هو أكمل به منك؛ ولعمري إنها النصيحة فإن تقبلها فمثلها قبل، وإن تردّها علي اقتطعتها دونك وأنا الحجاج.
[الحجاج والوليد وأم البنين:]
قدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك، فدخل عليه وعليه درع وعمامة سوداء وقوس عربية، وكنانة «٣» ؛ فبعثت إليه أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان: من هذا الأعرابي المستلئم في السلاح عندك وأنت في غلالة «٤» ؟ فبعث إليها: هذا الحجاج بن