يوسف. فأعادت الرسول إليه تقول: والله لأن يخلو بك ملك الموت أحبّ إليّ من أن يخلو بك الحجاج! فأخبره الوليد بذلك وهو يمازحه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول، فإنما المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة «١» ؛ فلا تطلعها على سرك ومكايدة عدوك. فلما دخل الوليد عليها أخبرها بمقالة الحجاج؛ فقالت: يا أمير المؤمنين، حاجتي أن تأمره غدا يأتيني مستلئما «٢» . ففعل ذلك؛ فأتاها الحجاج فحجبته، فلم يزل قائما؛ ثم قالت له: إيه يا حجاج! أنت الممتنّ على أمير المؤمنين بقتلك عبد الله بن الزبير وابن الأشعث؟ أما والله لولا أن الله علم أنك من شرار خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة، وقتل ابن ذات النطاقين، أول مولود ولد في الإسلام؛ وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ أوطاره منهن؛ فإن كن ينفرجن عن مثلك فما أحقه بالأخذ عنك، وإن كن ينفرجن عن مثله فغير قابل لقولك: أما والله لقد نقض نساء أمير المؤمنين الطيب عن غدائرهن فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من الفرق «٣» ، قد أظللتك رماحهم، وأثخنك كفاحهم؛ وحين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم؛ فما نجّاك الله من عدو أمير المؤمنين إلا بحبهم إياه، ولله در القائل إذ نظر إليك وسنان غزالة «٤» بين كتفيك:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ربواء تجفل من صفير الصافر «٥»
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في مخالب طائر