ولم أجد أحدا من السلف يذمّ الإيجاز ويقدح فيه، ولا يعيبه ويطعن عليه وتحب العرب التخفيف والحذف، ولهربها من التثقيل والتطويل، كان قصر الممدود أحب إليها من مدّ المقصور، وتسكين المتحرك أخفّ عليها من تحريك الساكن لأن الحركة عمل والسكون راحة.
ومن كلام العرب الاختصار والإطناب، والاختصار عندهم أحمد في الجملة، وإن كان للإطناب موضع لا يصلح إلا له، وقد توميء إلى الشيء فتستغني عن التفسير بالإيماء، كما قالوا: لمحة دالّة.
[جعفر وكتابه لابن مسعدة:]
كتب عمرو بن مسعدة إلى ضمرة الحروري كتابا، فنظر فيه جعفر بن يحيى فوقع في ظهره؛ إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيّا.
[مروان وكتاب لقائد:]
وبعث إلى مروان بن محمد قائد من قواده بغلام أسود، فأمر عبد الحميد الكاتب أن يكتب إليه يلحاه «١» ويعنفه، فكتب وأكثر، فاستثقل ذلك مروان، وأخذ الكتاب فوقع في أسفله: أما إنك لو علمت عددا أقل من واحد، ولونا شرّا من أسود، لبعثت به.
[ربيعة الرأي وأعرابي:]
وتكلم ربيعة الرأي فأكثر، وأعجبه إكثاره، فالتفت إلى أعرابيّ إلى جنبه فقال له:
ما تعدون البلاغة عندكم يا أعرابي؟ قال له: حذف الكلام، وإيجاز الصواب. قال: فما