القوّام بأمره؟ أفيمن نظر ليومه وغده، أم من شغله يومه عن غده؟ فإن قيل له: لا يخدع عن أخباره؛ والغنى فيمن قلّ شرهه واشتد انفه، والقوّام بأمره من نظر ليومه وغده، قال: اشتغلوا عنه بغيره. وإن قيل له ضدّ ذلك قال: نار كانة تنتظر موقدا، وأضغان مزملة «١» تنتظر مخرجا، اقصدوا له، فلا حين أحين من سلامة مع تضييع، ولا عدوّ أعدى من أمن أدّى إلى اغترار.
[وقيعة ملك الهياطلة بيزدجرد]
: كانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ، ثم نزلت بابل، ثم نزل أردشير ابن بابك فارس، فصارت دار مملكتهم، وصار بخراسان ملوك الهياطلة وهم الذين قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بهرام ملك فارس، وكان غزاهم؛ فكاده ملك الهياطلة بأن عمد إلى رجل ممن عرفه بالمكايدة وحسن الإدارة، فأظهر السخط عليه وأوقع به على أعين الناس توقيعا قبيحا ونكّل به تنكيلا شديدا. ثم أرسله وقد واطأه «٢» على أمر أبطنه معه وظاهره عليه فخرج حتى أتى فيروز في طريقه، فأظهر النزوع «٣» إليه والاستنصار به من عظيم ما ناله. فلما رأى فيروز ما به من التوقيع والنكاية فيه، وثق به واستنام إليه. فقال: أنا أدلك أيها الملك على غرة القوم وعورتهم وأعلمك مكان غفلتهم. فسلك به سبيل مهلكة معطشة؛ ثم خرج إليه ملك الهياطلة فأسره وأكثر أصحابه، فسألهم أن يمنوا عليه وعلى من معه، وأعطاهم موثقا لا يغزوهم أبدا، ونصب لهم حجرا جعله حدا بينه وبينهم، وحلف لهم ألّا يجاوزه هو ولا جنوده، وأشهد الله عليه وعلى من حضر من قرابته وأساورته؛ فمنّوا عليه وأطلقوه ومن معه.
فلما عاد إلى مملكته أخذته الأنفة مما أصابه، فعاد إلى غزوهم ناكثا لعهده غادرا بذمته، إلا أنه تلطف في ذلك بحيلة ظنّها مجزئة في أيمانه، فجعل الحجر الذي نصبه لهم على فيل في مقدّمة عسكره، وتأوّل في ذلك أنه لا يجاوزه فلما صار إليهم ناشدوه