الدواء الذي لا داء معه حبّ الرشاد الأبيض. وقال الهندي: الهليلج الأسود. وقال الرومي: الماء الحارّ، وقال اليوناني وكان أطبّهم: حب الرشاد الأبيض يولد الرطوبة، والماء الحارّ يرخي المعدة، والهليلج الأسود يرق المعدة؛ ولكن الدواء الذي لا داء معه: أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه.
[تدبير الصحة]
ثم نذكر بعد هذا من وصف الطعام وحالاته، وما يدخل على الناس من ضروب آفاته، بابا في تدبير الصحة الذي لا تقوم الأبدان إلا به، ولا تنمّى النفوس إلا عليه.
وقد قال الشافعي: العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان؛ ولم نجد بدّا- إذ كانت جملة هذه المطاعم التي بها نمو الغراسة «١» ، وعليها مدار الأغذية تضرّ في حالة وتنفع في أخرى- من ذكر ما ينفع منها ومقدار نفعه، وما يضرّ منها ومبلغ ضرّه؛ وأن نحكم على كل ضرب منها بالأغلب عليه من طبائعه.
وقلما نجد شيئا ينفع في حالة إلا وهو ضار في الأخرى؛ ألا ترى أن الغيث الذي جعله الله رحمة لخلقه، وحياة لأرضه، قد يكون منه السيول المهلكة، والخراب المخيف؟ وأن الرياح التي سخرها الله مبشرات بين يدي رحمته، قد أهلك بها قوما وانتقم من قوم؟ وفي هذا المعنى قال حبيب الطائي:
ولم تر نفعا عند من ليس ضائرا ... ولم تر ضرّا عند من ليس ينفع
قال خالد بن صفوان [يوما] لخادمه: أطعمنا جبنا، فإنه يشهّي الطعام، ويهيج المعدة، وهو حمض العرب. قال: ما عندنا منه شيء. فقال: لا بأس عليك، فإنه يقدح «٢» الأسنان، ويشد البطن.
ولما كانت أبدان الناس دائبة التحلل، لما فيها من الحرارة الغريزية من داخل، وحرارة الهواء المحيط بها من خارج- احتاجت إلى أن يخلف عليها ما تحلل، واضطرت لذلك إلى الأطعمة والأشربة، وجعلت فيها قوة الشهوة ليعلم بها وقت