: ومما يحتج به الفارّون: ما قاله صاحب كليلة ودمنة: إن الحازم يكره القتال ما وجد بدّا منه؛ لأن النفقة «١» فيه من النفس، والنفقة في غيره من المال.
أخذ هذا المعنى حبيب فنظمه في شعره حيث يقول:
كم بين قوم إنّما نفقاتهم ... مال وقوم ينفقون نفوسا
ومن الفرّارين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث؛ فرّ من الأزارقة وكان في عشرة آلاف، وكان قد بعث إليه المهلّب: يا بن أخي، خندق على نفسك وعلى أصحابك، فإني عالم بأمر الخوارج، ولا تغترّ. فبعث إليه: أنا أعلم بهم منك، وهم أهون عليّ من ضرطة الجمل فبيّته قطريّ صاحب الأزارقة فقتل من أصحابه خمسمائة، وفرّ لا يلوي على أحد. فقال فيه الشاعر:
تركت ولداننا تدمى نحورهم ... وجئت منهزما يا ضرطة الجمل
ومن الفرارين أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد؛ فرّ يوم مرداء هجر من أبي فديك، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فجلس يوما بالبصرة فقال:
سرت على فرسي «المهرجان» من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام. فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير، فلو ركبت «النّيروز» لسرت إليها في يوم واحد. فلما دخل عليه أهل البصرة لم يروا كيف يكلّمونه، ولا ما يلقونه من القول، أيهنّئونه أم يعزّونه؛ حتى دخل عليه عبد الله بن الأهتم فاستشرف «٢» الناس له، وقالوا: ما عسى أن يقال للمنهزم؟ فسلم ثم قال: مرحبا بالصابر المخذول، الذي خذله قومه. الحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا فقد تعرّضت للشهادة جهدك، ولكن علم الله حاجة أهل الإسلام إليك، فأبقاك لهم بخذلان من معك لك. فقال أمية بن عبد الله: ما وجدت أحدا أخبرني عن نفسي غيرك. وفيه يقول الشاعر: