يا أكثر وعدا حشوه خلف ... وأكثر الناس قولا حشوه كذب
ومن قولنا في هذا المعنى:
صحيفة أفنيت ليت بها وعسى ... عنوانها راحة الرّاجي إذا يئسا
وعد له هاجس في القلب قد برمت ... أحشاء صدري به من طول ما انجسا
مواعد غرّني منها وميض سنا ... حتى مددت إليها الكفّ مقتبسا «١»
فصادمت حجرا لو كنت تضربه ... من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا
كأنّما صيغ من بخل ومن كذب ... فكان ذاك له روحا وذا نفسا
[التنزه عن استماع الخنا والقول به]
اعلم أنّ السامع شريك القائل في الشر؛ قال الله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
«٢» .
وقال العتبي: حدّثني أبي عن سعد القصير قال: نظر إليّ عمرو بن عتبة ورجل يشتم رجلا بين يدي؛ فقال لي: ويلك! - وما قال لي «ويلك» قبلها- نزّه سمعك عن استماع الخنا كما تنزّه لسانك عن الكلام به؛ فإن السامع شريك القائل، وإنه عمد إلى شرّ ما في وعائه فأفرغه في وعائك؛ ولو ردّت كلمة جاهل في فيه لسعد رادّها كما شقي قائلها.
باب في الغلوّ في الدين
توفّي رجل في عهد عمر بن ذرّ ممن أسرف على نفسه في الذنوب، وجاوز في الطّغيان، فتجافى الناس عن جنازته، فحضرها عمر بن ذرّ وصلّى عليه، فلما أدلي في قبره قال: يرحمك الله أبا فلان، صحبت عمرك بالتوحيد، وعفرت «٣» وجهك لله بالسجود، فإن قالوا مذنب وذو خطايا، فمن منا غير مذنب وذي خطايا.