للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحمل عليه رجل من طيء فقتله، فرأي أثر السجود قد لوّح جبهته، فندم على قتله:

[مرداس ومقتله]

: وكان مرداس أبو بلال قد شهد صفّين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنكر التحكيم، وشهد النّهروان ونجا فيمن نجا. فلما خرج من حبس ابن زياد ورأى شدّة الطلب للشّراة «١» ، عزم على الخروج، فقال لأصحابه: إنه والله ما يسعنا المقام مع هؤلاء الظالمين، تجري علينا أحكامهم، مجانبين للعدل مفارقين للفضل. والله إن الصبر على هذا لعظيم، وإنّ تجريد السيف وإخافة السبيل لشديد؛ ولكنا ننتبذ «٢» عنهم ولا نجرّد سيفنا ولا نقاتل إلا من قاتلنا. فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا، منهم: حريث بن حجل وكهمس بن طلق الصّريمي، فأرادوا أن يولّوا أمرهم حريثا فأبى، فولوا أمرهم مرداسا، فلما مضى بأصحابه لقيهم عبد الله بن رباح الأنصاري، وكان له صديقا؛ فقال له: يا بن أخي، أين تريد؟ فقال: أريد أهرب بديني ودين أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة. قال له: أعلم أحد بكم؟ قال: لا. قال: فارجع.

قال: أو تخاف عليّ مكروها؟ قال: نعم، وأن يؤتى بك. قال: فلا تخف. فإني لا أجرد سيفا ولا أخيف أحدا ولا أقاتل إلا من قاتلني.

ثم مضى حتى نزل آسك؛ فمرّ به مال يحمل إلى ابن زياد وقد بلغ أصحابه الأربعين، فحطّ ذلك المال فأخذ منه عطاءه وأعطيات أصحابه وترك ما بقي، وقال:

قولوا لصاحبكم إنما أخذنا أعطياتنا. فقال له أصحابه: لماذا تترك الباقي؟ قال: إنهم يقسمون هذا الفيء كما يقيمون الصلاة، فلا تقاتلوهم ما داموا على الصلاة.

فوجّه إليهم ابن زياد أسلم بن زرعة الكلابيّ في ألفين، فلما وصل إليهم، قال له مرداس: اتق الله يا أسلم، فإنا لا نريد قتالا ولا نروّع أحدا؛ وإنما هربنا من الظّلم،