ولا نأخذ من الفيء إلا أعطياتنا، ولا نقاتل إلا من قاتلنا. قال: لابد من ردّكم إلى ابن زياد. قال: وإن أراد قتلنا؟ قال: وإن أراد قتلكم. قال: فتشرك في دمائنا؟
قال: نعم. فشدّوا عليه شدّة رجل واحد فهزموه وقتلوا أصحابه.
ثم وجه إليهم ابن زياد عبّادا، فقاتلهم يوم الجمعة حتى كان وقت الصلاة، فناداهم أبو بلال: يا قوم، هذا وقت الصلاة فوادعونا حتى نصلّي [وتصلوا]«١» .
فوادعوهم؛ فلما دخلوا في الصلاة شدّوا عليهم فقتلوهم، وهم بين راكع وساجد وقائم في الصلاة وقاعد. فقال عمران بن حطّان يرثي أبا بلال:
يا عين بكّي لمرداس ومصرعه ... يا ربّ مرادس اجعلني كمرداس
أبقيتني هائما أبكي لمرزئتي ... في منزل موحش من بعد إيناس «٢»
أنكرت بعدك ما قد كنت أعرفه ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس
إمّا شربت بكأس دار أوّلها ... على القرون فذاقوا جرعة الكاس
فكلّ من لم يذقها شارب عجلا ... منها بأنفاس ورد بعد أنفاس
وليس في الفرق كلها وأهل البدع أشد بصائر من الخوارج، ولا أكثر اجتهادا، ولا أوطن «٣» أنفسا على الموت؛ منهم الذي طعن فأنفذه الرمح فجعل يسعى إلى قاتله ويقول: عجلت إليك ربّ لترضى.
ولما مالت الخوارج إلى أصبهان حاصرت بها عتّاب بن ورقاء سبعة أشهر يقاتلهم في كل يوم وكان مع عتّاب بن ورقاء رجل يقال له: شريح. ويكنى أبا هريرة، فكان يخرج إليهم في يوم فيناديهم:
يا بن أبي الماحوز والأشرار ... كيف ترون يا كلاب النار «٤»