فتعاظمهم ذلك. فكمن له عبيدة بن هلال فضربه، واحتمله أصحابه، فظنّت الخوارج أنه قد قتل، فكانوا إذا تواقفوا ينادونهم: ما فعل الهرار؟ فيقولون: ما به من بأس. حتى أبلّ «١» من علّته، فخرج إليهم فقال؛ يا أعداء الله! أترون بي بأسا؟
فصاحوا: قد كنا نرى أنك لحقت بأمك الهاوية في النار الحامية.
فلما طال الحصار على عتّاب، قال لأصحابه: ما تنتظرون؟ إنكم والله ما تؤتون من قلّة؛ وإنكم فرسان عشائركم؛ ولقد حاربتموهم مرارا فانتصفتم منهم؛ وما بقي من هذا الحصار إلا أن تفنى ذخائرهم فيموت أحدكم فيدفنه صاحبه، ثم يموت هو فلا يجد من يدفنه! فقاتلوا القوم وبكم قوة، من قبل أن يضعف أحدكم عن أن يمشي إلى قرنه.
فلما أصبح صلى بهم الصبح، ثم خرج إلى الخوارج وهم غارّون، وقد نصب لواء لجارية يقال لها ياسمين، فقال: من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين! ومن أراد الجهاد فليلحق بلوائي. قال: فخرج في ألفين وسبعمائة فارس، فلم تشعر بهم الخوارج حتى غشوهم. فقاتلوهم بجد لم تر الخوارج مثله، فقتلوا أميرهم الزبير بن عليّ، وانهزمت الخوارج، فلم يتبعهم عتّاب بن ورقاء.
وخرج قريب بن مرة الأزدي وزحّاف الطائي، وكانا مجتهدين بالبصرة في أيام زياد فاعترضا الناس، فلقيا شيخا ناسكا من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار فقتلاه، وتنادى الناس، فخرج رجل من بني قطيعة من الأزد بالسيف، فناداه الناس من بعض البيوت: الحرورية الحرورية! انج بنفسك. فنادوه: لسنا حروريّة نحن الشّرط. فوقف فقتلوه.
وبلغ أبا بلال خبرهما، وكان على دين الخوارج إلا أنه كان لا يرى اعتراض الناس، فقال: قريب، لا قرّبه الله من الخير، وزخّاف، لا عفا الله عنه، فلقد ركباها عشواء مظلمة «٢» .