ولكني أرغبتك عن ذلك وأزويته عنك؛ فكذلك أفعل بأوليائي؛ إني لأذودهم عن نعيمها. ولذاذتها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة؛ وإني لأحميهم عيشها وحلوتها، كما يحمي الراعي ذوده عن مبارك العرّ «١» .
يوسف عليه السّلام:
وذكر عن وهب بن منبه أن يوسف لما لبث في السجن بضع سنين، أرسل الله جبريل إليه بالبشارة بخروجه، فقال: أما تعرفني أيها الصّدّيق؟ قال يوسف: أرى صورة طاهرة وروحا طيبا لا يشبه أرواح الخاطئين. قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين. قال يوسف: فما أدخلك مداخل المذنبين، وأنت سيد المرسلين، ورأس المقرّبين؟ قال: ألم تعلم أيها الصديق أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين. وأن البقعة التي تكون فيها هي أطهر الأرضين، وأنّ الله قد طهّر بك السجن وما حوله يا ابن الطاهرين. قال يوسف: كيف تشبهني بالصالحين، وتسميني بأسماء الصادقين، وتعدّني مع آبائي المخلصين، وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين؟ قال جبريل: لم يكلم قلبك الجزع، ولم يغيّر خلفك البلاء، ولم يتعاظمك السجن، ولم تطأ فراش سيّدك، ولم ينسك بلاء الدنيا بلاء الآخرة، ولم تنسك نفسك أباك، ولا أبوك ربّك، وهذا الزمان الذي يفكّ الله فيه عنقك، ويعتق فيه رقبتك، ويبيّن للناس فيه حكمتك، ويصدّق رؤياك، وينصفك ممن ظلمك، ويجمع لك أحبتك ويهب لك ملك مصر تملك ملوكها، وتذل جبابرتها، وتصغّر عظماءها، ويذلّ لك أعزتها. ويخدمك سوقتها «٢» ، يخوّلك خولها، ويرحم بك مساكينها، ويلقي لك المودة والهيبة في قلوبهم، ويجعل لك اليد العليا عليهم، والأثر الصالح فيهم، ويرى فرعون حلما يفزع منه حتى يسهر ليله، ويذهب نومه، ويغمّى عليه، تفسيره وعلى السحرة والكهنة، ويعلّمك تأويله.