فلما قدم المدينة عبد الله بن الحسن، اجتمع إليه الفاطميون وجعل يفرّق فيهم الأموال التي بعث بها أبو العباس، فعظم بها سرورهم؛ فقال لهم عبد الله ابن الحسن:
فرحتم؟ قالوا: وما لنا لا نفرح بما كان محجوبا عنا بأيدي بني مروان حتى أتى الله بقرابتنا وبني عمنا فأصاروه إلينا؟ قال لهم: أفرضيتم أن تنالوا هذا من تحت أيدي قوم آخرين؟
فخرج الرجل الذي كان وكله أبو العباس بأخبارهم، فأخبره بما سمع من قولهم وقوله؛ فأخبر أبو العباس أبا جعفر بذلك، فزادت الأمور شرّا.
[أبو جعفر وابن حسن:]
ثم مات أبو العباس وقام أبو جعفر بالأمر بعده، فبعث بعطاء أهل المدينة وكتب إلى عامله، أن أعط الناس في أيديهم ولا تبعث إلى أحد بعطائه، وتفقّد بني هاشم ومن تخلّف منهم ممن حضر، وتحفظ بمحمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن. ففعل وكتب: إنه لم يتخلف أحد عن العطاء إلا محمد وابراهيم ابنا عبد الله ابن الحسن، فإنهما لم يحضرا. فكتب أبو جعفر إلى عبد الله بن الحسن، وذلك مبدأ سنة تسع وثلاثين ومائة، يسأله عنهما ويأمره بإظهارهما ويخبره أنه غير عاذره. فكتب إليه عبد الله أنه لا يدري أين هما ولا أين توجها. وأن غيبتهما غير معروفة؛ فلم يلبث أبو جعفر- وكان قد أذكى العيون «١» ووضع الأرصاد «٢» - حتى جاءه كتاب من بعض ثقاته يخبره أن رسولا لعبد الله ومحمد وإبراهيم خرج بكتب إلى رجال بخراسان يستدعيهم إليهم؛ فأمر أبو جعفر برسولهم فأتى به وبكتبه، فردها إلى عبد الله بن الحسن بطوابعها، لم يفتح منها كتابا، وردّ إليه رسوله وكتب إليه:
إني أتيت برسولك والكتب التي معه فرددتها إليك بطوابعها، كراهية أن أطّلع منهما على ما يغيّر لك قلبي؛ فلا تدع إلى التقاطع بعد التواصل، ولا إلى الفرقة بعد