وقال الشيباني حضر أبو نواس مجلسا فيه قيان؛ فقلن له: ليتنا بناتك. قال: نعم، ونحن على المجوسية.
وقال العتبي: حضرت قينة مجلسا، فتغنت فأجادت، فقام إليها شيخ من القوم فجلس بين يديها، وقال: كل مملوك لي حرّ، وكل امرأة لي طالق، لو كانت الدنيا لي كلها صررا في كمي لقطعتها لك؛ فأما إذا لم يكن فجعل الله كل حسنة لي لك، وكلّ سيئة عليك عليّ. قالت: جزاك الله خيرا، فو الله ما يقوم الوالد لولده بما قمت به لنا. فقام شيخ آخر وقعد بين يديها وقال لها: كل مملوك لي حر، وكل امرأة لي طالق، إن كان وهب لك شيئا ولا حمل عنك ثقلا؛ لانه ماله حسنة يهبها لك، ولا عليك سيئة يحملها عنك؛ فلأيّ شيء تحمدينه؟.
حدّث احمد بن عمر المكي قال: سمعت إسحاق بن ابراهيم الموصلي يقول: كان بالمدينة رجل جعفري، من ولد جعفر بن أبي طالب، وكان يحب الغناء، وكان بالمدينة قينة يقال لها بصيص، وكان الجعفري يتعشّقها، فقال يوما لإخوانه: قوموا معي إلى هذه الجارية حتى نكاشفها، فقد والله أيتمت ولدي، وأرملت نسائي، وأخربت ضيعتي. فقاموا معه، حتى إذا جاءوا إلى بابها دقّه، فخرجت إليه، فإذا هي أملح الناس دلّا وشكلا، فقال لها: يا جارية، أتغنّين:
وكنت أحبكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام
فاستحيت وخجلت وبكت وقالت: يا جارية، هاتي عودي؛ والله ما أحسن هذا ولكن أحسن غيره. فغنت:
تحمل اهلها منها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء
قال: فاستحيا والله صاحبنا حتى تصبب عرقا، ثم قال لها: يا سيدتي، أفتحسنين أن تغني:
وأخضع للعتبى إذا كنت ظالما ... وإن ظلموا كنت الذي أتفضل