عن الهيثم بن عدي قال: لما حضرت معاوية الوفاة ويزيد غائب، دعا الضحاك بن قيس الفهري، ومسلم بن عقبة المري، فقال:
أبلغا عني يزيد وقولا له: انظر إلى أهل الحجاز، فهم أصلك وعترتك؛ فمن أتاك منهم فأكرمه، ومن قعد عنك فتعاهده، وانظر أهل العراق، فإن سألوك عزل عامل في كل يوم فاعزله، فإنّ عزل عامل واحد أهون من سلّ مائة ألف سيف، [ثم] لا تدري على من تكون الدائرة؛ ثم انظر إلى أهل الشام، فاجعلهم الشعار دون الدثار «٢» ؛ فإن رابك من عدوّك ريب فارمه بهم، ثم اردد أهل الشام إلى بلدهم ولا يقيموا في غيره فيتأدّبوا بغير أدبهم؛ لست أخاف عليك إلا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر. فأما الحسين ابن علي فأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه؛ وأما ابن الزبير فإنه خبّ ضب «٣» ، فإن ظفرت به فقطّعه إربا إربا؛ وأما ابن عمر فإنه رجل قد وقذه «٤» الورع، فخلّ بينه وبين آخرته يخلّ بينك وبين دنياك.
ثم أخرج إلى يزيد بريدا بكتاب يستقدمه ويستحثه، فخرج مسرعا، فتلقاه يزيد فأخبره بموت معاوية، فقال يزيد:
جاء البريد بقرطاس يخبّ به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم ... قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأنّ أغبر من أركانها انقلعا
ثمّ انبعثنا إلى خوص مزمّمة ... نرمي الفجاج بها ما نأتلي سرعا «٥»