وقال مرة أخرى: أبا الطفيل! قال: نعم. قال: أنت من قتلة عثمان؟ قال: لا، ولكني ممن حضره ولم ينصره. قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار، فلم أنصره. قال: لقد كان حقّه واجبا وكان عليهم أن ينصروه. قال: فما منعك من نصرته يا أمير المؤمنين وأنت ابن عمه؟ قال: أو ما طلبي بدمه نصرة له؟
فضحك أبو الطفيل وقال: مثلك ومثل عثمان كما قال الشاعر:
لأعرفنّك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زوّدتني زادا
[معاوية وابن الخطل:]
العتبي قال: صعد معاوية المنبر فوجد من نفسه رقة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيها الناس، إن عمر ولاني أمرا من أمره، فوالله ما غششته ولا خنته ثم ولاني الأمر من بعده ولم يجعل بيني وبينه أحدا؛ فأحسنت والله وأسأت، وأصبت وأخطأت؛ فمن كان يجهلني فإني أعرّفه بنفسي. فقام إليه سلمة بن الخطل العرجيّ؛ فقال: أنصفت يا معاوية وما كنت منصفا. قال فغضب معاوية وقال: ما أنت وذاك يا أحدب؟ والله لكأني أنظر إلى بيتك بمهيعة، «١» وبطنب «٢» تيس، وبطنب بهمة، بفنائه أعنز عشر، يحتلبن في مثل قوارة حافر العير، «٣» تهفو الريح منه بجانب، كأنه جناح نسر. قال: رأيت والله ذاك في شر زماننا إلينا، وو الله إن حشوه يومئذ لحسب غير دنس؛ فهل رأيتني يا معاوية أكلت مالا حراما أو قتلت امرأ مسلما؟ قال: وأين كنت أراك وأنت لا تدبّ إلا في خمر؟ وأي مسلم يعجز عنك فتقتله؟ أم أي مال تقوى عليه فتأكله؟ اجلس لا جلست. قال: بل أذهب حتى لا تراني. قال إلى أبعد الأرض لا إلى أقربها فمضى، ثم قال معاوية: ردّوه عليّ، فقال الناس: يعاقبه! فقال له: أستغفر الله منك يا أحدب، والله لقد بررت في قرابتك، وأسلمت فحسن إسلامك، وإن أباك لسيّد قومه؛ ولا أبرح أقول بما تحب فاقعد.