كان عروة بن الزبير عاملا على اليمن لعبد الملك بن مروان، فاتصل به أن الحجاج مجمع على مطالبته بالأموال التي بيده وعزله عن عمله؛ ففر إلى عبد الملك وعاذ به تخوّفا من الحجاج واستدفاعا لضرره وشرّه؛ فلما بلغ ذلك الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان:
أما بعد فإن لواذ المعترضين بك، وحلول الجانحين إلى المكث بساحتك، واستلانتهم دمث «١» أخلاقك وسعة عفوك، كالعارض المبرق لأعدائه لا يعدم له شائما، رجاء استمالة عفوك؛ وإذا أدني الناس بالصفح عن الجرائم، كان ذلك تمرينا لهم على إضاعة الحقوق مع كل وال والناس عبيد العصا، هم على الشدة أشدّ استباقا منهم على اللين، ولنا قبل عروة بن الزبير مال من مال الله، وفي استخراجه منه قطع لطمع غيره، فليبعث به أمير المؤمنين إن رأى ذلك، والسلام.
فلما قرأ الكتاب، بعث إلى عروة ثم قال له: إن كتاب الحجاج قد ورد فيك، وقد أبى إلا إشخاصك إليه. ثم قال لرسول الحجاج: شأنك به. فالتفت إليه عروة مقبلا عليه، وقال: أما والله ما ذلّ وخزي من مات، ولكن ذل وخزي من ملكتموه؛ والله لئن كان الملك بجواز الأمر ونفاذ النهي، إن الحجاج لسلطان عليك، ينفذ أموره دون أمورك؛ إنك لتريد الأمر يزينك عاجله ويبقى لك أكرومة «٢» آجله، فيجذبك عنه ويلقاه دونك، ليتولى من ذلك الحكم فيه، فيحظى بشرف عفو إن كان، أو يجرم عقوبة إن كانت، وما حاربك من حاربك إلا على أمر هذا بعضه.
قال: فنظر في كتاب الحجاج مرة ورفع بصره إلى عروة تارة، ثم دعا بدواة وقرطاس فكتب إليه:
أما بعد، فإن أمير المؤمنين رآك مع ثقته بنصيحتك، خابطا في السياسة خبط