أخريات الناس فبدأ بالسلام، ثم أما بعد، ثم الشعر؟ قيل له: هذا الكميت ابن زيد.
فأعجب به لفصاحته وبلاغته. فسأله مسلمة عن خبره وما كان فيه طول عيبته. فذكر له سخط أمير المؤمنين عليه؛ فضمن له مسلمة أمانه، وتوجه به حتى أدخله على هشام، وهشام لا يعرفه. فقال الكميت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله- قال هشام: نعم، الحمد لله، يا هذا- قال الكميت: مبتديء الحمد ومبتدعه، الذي خص بالحمد نفسه، وأمر به ملائكته، وجعله فاتحة كتابه، ومنتهى شكره، وكلام أهل جنته؛ أحمده حمد من علم يقينا، وأبصر مستبينا؛ وأشهد له بما شهد به لنفسه قائما بالقسط، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده العربيّ، ورسوله الأميّ، أرسله والناس في هبوات «١» حيرة، ومدلهمّات ظلمة، عند استمرار أبهة الضلال، فبلّغ عن الله ما أمر به، ونصح لامته، وجاهد في سبيله، وعبد ربّه حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وسلم.
«ثم إني يا أمير المؤمنين تهت في حيرة، وحرت في سكرة، ادلأمّ «٢» بي خطرها، وأهاب بي داعيها، وأجابني غاويها؛ فاقطوطيت «٣» إلى الضلالة، وتسكّعت في الظّلمة والجهالة، حائرا عن الحق، قائلا بغير صدق. فهذا مقام العائذ، ومنطق التائب، ومبصر الهدى بعد قول العمى، ثم يا أمير المؤمنين، كم من عاثر أقلتم عثرته، ومجترم عفوتم عن جرمه.
فقال له هشام وأيقن أنه الكميت: ويحك! من سنّ لك الغواية وأهاب بك في العماية؟
قال: «الذي أخرج أبي آدم من الجنة فنسي ولم يجد له عزما. وأمير المؤمنين كريح رحمة أثارت سحابا متفرّقا، فلفقت بعضه إلى بعض حتى التحم فاستحكم، وهدر