ومؤامرا تستشيرونه، فكيف تنفعكم تجربة، أو تعظكم وقعة، أو يحجزكم إسلام، أو يردكم إيمان؟ ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر؛ وسعيتم بالغدر، واستجمعتم للكفر، وظننتم أن الله تعالى يخذل دينه وخلافته، وأنا أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا؛ وتنهزمون سراعا؛ ثم يوم الزاوية «١» ؛ وما يوم الزاوية؟ بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونكوص وليّكم عنكم؛ إذ ولّيتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها؛ لا يسأل المرء منكم عن أخيه، ولا يلوي الشيخ على بنيه، حتى عضكم السلاح، وقصمتكم الرماح، ثم يوم دير الجماجم: وما دير الجماجم؟ بها كانت المعارك والملاحم، بضرب يزيل الهام عن مقيله «٢» ، ويذهل الخليل عن خليله.
يأهل العراق والكفرات بعد الفجرات؛ والغدرات بعد الخترات، والنّزوة بعد النزوات، إن بعثتكم إلى ثغوركم غللتم وخنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم؛ لا تذكرون حسنة، ولا تشكرون نعمة! يأهل العراق: هل استخفّكم ناكث، أو استغواكم غاو، أو استفزكم عاص أو استنصركم ظالم، أو استعضدكم خالع- إلا وثقتموه وآويتموه وعزّرتموه ونصرتموه ورضيتموه.
يأهل العراق؛ هل شغب شاغب، أو نعب ناعب، أو نعق ناعق، أو زفر زافر، إلا كنتم أتباعه وأنصاره. يأهل العراق، ألم تنهكم المواعظ؟ ألم تزجركم الوقائع؟
ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يأهل الشام، إنما أنا لكم كالظليم «٣» الذابّ عن فراخه؛ ينفي عنها المدر، ويباعد عنها الحجر ويكنّها من المطر، ويحميها من الضباب؛ ويحرسها من الذئاب؛ يأهل الشام، أنتم الجنّة والرداء، وأنتم العدة والحذاء.