للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما أتممته حتى قامت الجارية فأكبّت على رجلي تقبلها، وقالت: معذرة إليك! فو الله ما سمعت أحدا يغني هذا الصوت غناءك! وقام مولاها وأهل المجلس ففعلوا كفعلها، وطرب القوم والله واستحثوا الشراب، فشربوا بالكاسات والطاسات؛ ثم اندفعت أغني:

أبى الله أن تمشي ولا تذكرينني ... وقد سفحت عيناي من ذكرك الدّما

فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاحل العقل مغرما

إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبذل علقما «١»

إلى الله أشكو انها مداريّة ... وإني لها بالودّ ما عشت مكرما

فطرب القوم حتى خرجوا من عقولهم، فأمسكت عنهم ساعة حتى تراجعوا ثم اندفعت أغني الثالث:

هذا محبّك مطويّ على كمده ... حرّى مدامعه تجري على جسده «٢»

له يد تسأل الرحمن راحته ... مما جنى، ويد أخرى على كبده

فجعلت الجارية تصيح: هذا الغناء والله يا سيدي لا ما كنا فيه! وسكر القوم، وكان صاحب المنزل حسن الشرب صحيح العقل، فأمر غلمانه أن يخرجوهم ويحفظوهم إلى منازلهم، وخلوت معه؛ فلما شربنا اقداحا قال: يا هذا! ذهب ما مضى من أيامي ضياعا إذ كنت لا اعرفك؛ فمن انت يا مولاي؟

ولم يزل يلحّ حتى أخبرته الخبر، فقام وقبّل رأسي وقال: وأنا اعجب يا سيدي أن يكون هذا الادب إلا لمثلك، وأنّى لي أن اجالس الخلفاء ولا اشعر؟

ثم سألني عن قصتي فأخبرته، حتى بلغت خبر الكف والمعصم؛ فقال للجارية:

قومي فقولي لفلانة تنزل ...