من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت عليّا على ما عقد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الولاء، وحبّه المساكين. وإعظامه لأهل الدين. وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى.
قال: فلذلك انتفح بطنك، وعظم ثدياك، وربت عجيزتك «١» ، قالت: يا هذا، بهند والله كان يضرب المثل في ذلك لا بي. قال معاوية: يا هذه اربعي «٢» ، فإنا لم نقل إلا خيرا؛ إنه إذا انتفخ بطن المرأة تمّ خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروّى رضيعها. وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها. فرجعت وسكنت. قال لها: ويا هذه، هل رأيت عليا؟ قالت: إي والله. قال: فيكيف رأيته؟ قال: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك. قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت:
نعم والله، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطّست. قال:
صدقت! فهل لك من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها. قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغذو بألبانها الصّغار، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر.
قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أحلّ عندك محل علي بن أبي طالب؟
قالت: ماء ولا كصدّاء «٣» ، ومرعى ولا كالسّعدان «٤» ، وفتى ولا كمالك، يا سبحان الله، أو دونه؟ فأنشأ معاوية يقول:
إذا لم أعد بالحلم منّي عليكم ... فمن ذا الذي بعدي يؤمّل للحلم
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد ... جزاك على حرب العداوة بالسلم-
ثم قال: أما والله لو كان عليّ حيا ما أعطاك منها شيئا.