قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فقال: بالله أبكيننا. فاندفعن يتغنين ويخفقن بعيدانهن ويقلن:
لمن الدار أقفرت بمعان ... بين أعلى اليرموك فالخمان «١»
ذاك مغنى لآل جفنة في الدّه ... ر محلا لحادث الأزمان
قد أراني هناك دهرا مكينا ... عند ذي التاج مقعدي ومكاني
ودنا الفصح فالولائد ينظم ... ن سراعا أكلّة المرجان
لم يعلّلن بالمغافر والصّم ... غ ولا نقف حنظل الشّريان «٢»
قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته؛ ثم قال: أتدري من قائل هذا؟
قلت: لا أدري. قال: حسان بن ثابت. ثم أنشأ يقول:
تنصّرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنّفني منها لجاج ونخوة ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى الأمر الذي قال لي عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
ثم سألني عن حسان: أحيّ هو؟ قلت: نعم، تركته حيّا. فأمر لي بكسوة ومال ونوق موقرة براّ. ثم قال لي: إن وجدته حيّا فادفع إليه الهدية واقرئه سلامي، وإن وجدته ميتا فادفعها إلى أهله وانحر الجمال على قبره.
فلما قدمت على عمر أخبرته خبر جبلة وما دعوته إليه من الإسلام والشرط الذي شرطه وأني ضمنت له التزويج ولم أضمن له الإمرة، فقال: هلا ضمنت له الإمرة؛ فإذا أفاء الله به إلى الإسلام قضى عليه بحكمه عز وجل.