«١» . مع أن امرءا لم يكن منها في حيرة، إلا أعقبته بعدها عبرة؛ ولم يلق من سرائها بطنا، إلا منحته من ضرائها ظهرا؛ ولم تطلّه منها ديمة رخاء، إلا هطلت عليه مزنة «٢» بلاء؛ وحريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة؛ وإن جانب منها اعذوذب واحلولى، أمر عليه منها جانب فأوبا؛ وإن لبس امرؤ من غضارتها ورفاهيتها نعما، أرهقته من نوائبها غمّا؛ ولم يمس امرؤ منها في جناح أمن، إلا أصبح منها في قوادم خوف؛ غرّارة، غرور ما فيها؛ باقية، فان ما عليها؛ لا خير في شيء من زادها إلا التقوى، من أقلّ منها استكثر مما يؤمّنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه «٣» ، وزال عما قليل عنه، استكثر مما يوبقه؛ كم واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وكم من ذي اختيال فيها قد خدعته؛ وكم من ذي أبّهة فيها قد صيّرته حقيرا وذي نخوة فيها قد ردّته ذليلا، وذي تاج قد كبّته «٤» لليدين والفم؛ سلطانها دول»
، وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها مرّ، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام «٦» وقطافها سلع «٧» ؛ حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام؛ مليكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وصحيحها وسليمها منكوب؛ وحائزها وجامعها محروب؛ مع أنّ من وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطّلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل؛ ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ألستم في مساكن من كان أطول أعمارا، وأوضح آثارا، وأعدّ عديدا، وأكثف جنودا، وأعتد عتادا، وأطول عمادا؟ تعبّدوا للدنيا أيّ تعبد، وآثروها أي إيثار، وظعنوا عنها بالكرّة والصّغار؛ فهل بلغكم أنّ الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، وأغنت عنهم فيما أمّلتهم به بخطب! بل أثقلتهم بالفوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعفّرتهم