وصائف ودعا من صاحب نفقته بخمسمائة دينار، ودعا مولاة له كانت تلي طيبه، فدحست لها ربعة عظيمة مملوءة طيبا، ثم قال: عجّلها ويلك. فخرجت أسوقها حتى انتهيت إلى الباب؛ وإذا الفارس قد بلّغ عني، فما تركني الحجّاب أن تمس رجلاي الأرض حتى أدخلت على عبد الملك وهو يتلظّى، فقال لي يا ماصّ، وكذا أنت المجيب عن أمير المؤمنين والمتهكم برسله؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إيذن لي أتكلم. قال: وما تقول يا كذا وكذا؟ قلت: إيذن لي جعلني الله فداك أتكلم. قال:
تكلم. قلت: يا أمير المؤمنين، أنا أصغر شأنا، وأقل خطرا من أن يبلغ كلامي من أمير المؤمنين ما أرى، وهل أنا إلا عبد من عبيد أمير المؤمنين، نعم، قد قلت ما بلغك، وقد يعلم أمير المؤمنين إنّما نعيش في كنف هذا الشيخ، وأنّ الله لم يزل إليه محسنا، فجاءه من قبلك شيء ما أتاه قطّ مثله، إنما طلبت نفسه التي بين جنبيه، فأجبت بما بلغك لأسهّل الأمر عليه؛ ثم سألني فأخبرته واستشارني فأشرت عليه، وها هي ذه قد جئتك بها. قال: أدخلها ويلك! قال: فأدخلتها عليه وعنده مسلمة ابنه، غلام ما رأيت مثله ولا أجمل منه حين اخضرّ شاربه. فلما جلست وكلّمها أعجب بكلامها، فقال: لله أبوك، أمسكك لنفسي أحبّ إليك أم أهبك لهذا الغلام، فإنه ابن أمير المؤمنين، قالت: يا أمير المؤمنين، لست لك بحقيقة، وعسى أن يكون هذا الغلام لي وجها. قال: فقام من مكانه ما راجعها، فدخل، وأقبل عليها مسلمة فقال:
يا لكاع «١» ، أعلى أمير المؤمنين تختارين؟ قالت: يا عدوّ نفسه إنما تلومني أن اخترتك؟ لعمر الله لقد قال رأي من اختارتك. قال: فضيّقت والله مجلسه. واطّلع علينا عبد الملك قد ادهن بدهن وارى الشيب، وعليه حلة تتلألأ كأنها الذهب، بيده مخصرة «٢» يخطر بها، فجلس مجلسه على سريره، ثم قال: إيها، لله أبوك، أمسكك لنفسي أحبّ لك أم أهبك لهذا الغلام؟ قالت: ومن أنت أصلحك الله؟ قال لها الخصيّ: هذا أمير المؤمنين! قالت: لست مختارة على أمير المؤمنين أحدا. قال: فأين