وقد قلدوك جسيما من أمرهم، فلا تخالفنّ رأيهم، فإنك تجري إلى أمد لم تبلغه، ولو قد بلغته لتنفست فيه! قال معاية: فعجبت من اتفاقهما في المعنى على اختلافهما في اللفظ.
العتبى عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قدم الشام على حمار ومعه عبد الرحمن بن عوف على حمار، فتلقاهما معاوية في موكب نبيل، فجاوز عمر حتى أخبر، فرجع إليه، فلما قرب منه نزل [إليه] فأعرض عنه عمر، فجعل يمشي إلى جنبه راجلا، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتعبت الرجل! فأقبل عليه عمر، فقال: يا معاوية، أنت صاحب الموكب آنفا مع ما بلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذلك؟
قال: لأنا في بلاد لا نمتنع فيها من جواسيس العدو، فلا بد لهم مما يرهبهم من هيبهة السلطان، فإن أمرتني بذلك أقمت عليه، وإن نهيتني عنه انتهيت.
قال: لئن كان الذي قلت حقا فإنه رأي أريب «١» ، ولئن كان باطلا فإنها خدعة أديب، وما آمرك به ولا أنهاك عنه.
فقال عبد الرحمن بن عوف: لحسن ما صدر هذا الفتى عما أوردته فيه.
قال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشمناه.
وقال معاوية لابن الكواء. يا ابن الكواء، أنشدك الله ما علمك فيّ؟ قال: أنشدني الله، ما أعلمك إلا واسع الدنيا ضيّق الآخرة! ولما مات الحسن بن علي، حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقيل له: إن ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا، فابعث إليه وخذ رأيه. فأرسل إليه وذكر له ذلك، فقال: إن فعلت لأخرجنّ من المسجد ثم لا أعود إليه! فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلما مات لعنه على المنبر