للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذة ما هو فيه عن طلبي، وقد كان بيني وبينه موعد قد جاز وقته، ولا وجه لجلوسي.

قال: وكنت مقدّم الأمر في دار المأمون، مقبول القول فيه، لا أعارض في شيء، إذا أو مأت إليه؛ فخرجت مبادرا إلى باب الدار، فلقيني غلمان الدار وأصحاب النوبة «١» ، فقالوا: إن غلمانك قد انصرفوا، وكانوا قد جاءوك بدابة، فلما علموا بمبيتك انصرفوا. فقلت: لا ضير، أنا أتمشى إلى البيت وحدي. قالوا: نحضرك دابة من دواب النوبة؟ قلت: لا حاجة لي في ذلك. قالوا: فنمضي بين يديك بمشعل؟

قلت: لا، ولا أريد أيضا.

وأقبلت نحو البيت، حتى إذا صرت ببعض الطريق أحسست بحرقة البول، فعدلت إلى بعض الأزقة، لئلا يجوز أحد من العوام فيراني أبول على الطريق؛ فبلت، حتى إذا قمت إلى المسح ببعض الحيطان، إذا بشيء معلق من تلك الدار إلى الزقاق، فما تمالكت أن تمسّحت، ثم دنوت إلى ذلك الشيء لأعرف ما هو، فإذا بزنبيل «٢» كبير معلق بأربعة مقابض، ملبس ديباجا «٣» ، وفيه أربعة أحبل ابريسم، فلما نظرت إليه وتبينته قلت: واللَّه إن لهذا لسببا، وإن له لأمرا. فأقمت ساعة أتروّى في أمري وأفكر فيه، حتى إذا طال ذلك بي قلت: واللَّه لأتجاسرنّ ولأجلسنّ فيه كائنا ما كان ...

ثم لففت رأسي بردائي وجلست في جوف الزنبيل، فلما أحس من كان على ظهر الحائط بثقله، جذبوا الزنبيل إليهم حتى انتهوا إلى رأس الحائط، فإذا بأربع جوار، فقلن: انزل بالرحب والسعة، أصديق أم جديد؟ فقلت: لا، بل جديد! فقلن: يا جارية، هاتي الشمعة. فابتدرت إحداهن إلى طست فيه شمعة، وأقبلت بين يديّ، حتى نزلت إلى دار نظيفة، فها من الحسن والظّرف ما حرت له، ثم أدخلتني إلى