للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجالس مفروشة، ومناصّ «١» مرصوصة، [فيها من] صنوف الفرش ما لم أر مثله إلا في دار الخليفة.

فجلست في أدنى مجلس من تلك المجالس، فما شعرت بعد ذلك إلا بضجة وجلبة، وستور قد رفعت في ناحية من نواحي الدار، وإذا بوصائف يتسابقن في أيدي بعضهنّ الشمع، وبعضهنّ المجامر يبخرن فيها العود والندّ؛ وبينهن جارية كأنها تمثال عاج، تتهادى بينهن كالبدر الطالع، بقدّ يزري على الغصون؛ فما تمالكت عند رؤيتها أن نهضت، فقالت: مرحبا بك من زائر أتى وليست تلك عادته. وجلست، ورفعت مجلسي عن الموضع الذي كنت فيه، فقالت: كيف كان ذا واللَّه لي ولك، ولا علم كان وقع إليّ؛ فما السبب؟ قال: قلت: انصرفت من عند بعض إخواني، وظننت أني على وقت، فخرجت في وقت ضيق، وأخذني البول فأخذت إلى هذا الطريق، فعدلت إلى هذا الزقاق، فوجدت زنبيلا معلقا، فحملني النبيذ فجلست فيه، فإن كان خطأ فالنبيذ أكسبنيه، وإن كان صوابا فاللَّه ألهمنيه قالت: لا ضير إن شاء اللَّه، وأرجو أن تحمد عواقب أمرك؛ فما صناعتك؟ قلت: بزّاز «٢» . قالت: وأين مولدك؟ قلت: بغداد. قالت: ومن أيّ الناس أنت؟ قلت: من أماثلهم وأوساطهم.

قالت: حيّاك اللَّه وقرّب دارك! ... قالت: فهل رويت من الأشعار شيئا؟ قلت:

شيئا يسيرا. قالت: فذاكرنا بشيء مما حفظت قلت: جعلت فداك. إن للداخل دهشة، وفيّ انقباض؛ ولكن تبتدئين بشيء من ذلك، فالشيء يأتي بالمذاكرة. قالت:

لعمري لقد صدقت، فهل تحفظ لفلان قصيدته التي يقول فيها كذا وكذا ... ؟

ثم أنشدتني لجماعة من الشعراء، القدماء والمحدثين، من أحسن أشعارهم، وأجود أقاويلهم، وأنا مستمع أنظر من أي أحوالها أعجب، من ضبطها، أم من حسن لفظها، أم من حسن أدبها، أم من حسن [روايتها و] جودة ضبطها للغريب، أم من