وحطه عن أتانه، ودعا بالعلف؛ فجعل الأعرابي يقول: أين الليف والنّئيف «١» والوساد والنجاد؟ يعني بالليبف: الحصير؛ وبالنئيف عشبة عندهم يقال لها البهمى «٢» والوساد:
جلد عنز يسلخ ولا يشق ويحشى وبرا وشعرا ويتّكأ عليه؛ والنجاد: مسح شعر يستظل تحته. قال: فلما نزع القتب عن الأتان إذا ظهرها قد دبر حتى أضرّت بنا رائحته:
فجعل الأعرابي يتنهد ويقول:
إن تنحضي أو تدبري أو تزجري ... فذاك من دءوب ليل مسهر «٣»
أنا أبو الزهراء من آل السّري ... مشمّخ الأنف كريم العنصر
إذا أتيت خطّة لم أقسر «٤»
وكان يسمى الأعرابي صلتان بن عوسجة من بني سعد بن دارم، ويكنى بأبي الزهراء، وما رأيت أعرابيا أعجب منه؛ كان أكثر كلامه شعرا؛ وأمثل أعرابي سمعته كلاما؛ إلا أنه ربما جاء باللفظة بعد الأخرى لانفهمها؛ وكان من أضجر الناس وأسوئهم خلقا، وإذا نحن سألناه عن الشيء قال: ردّوا عليّ القوس والأتان! يظن أنا نتلاعب به، وكنا نجتمع معه في مجلس أبي حماد، وما منا إلا من يأتيه بما يشتهيه، فلا يعجبه ذلك؛ حتى أتيناه يوما بخربز «٥» ، وكانت أمامه، فلما أبصرها تأملها طويلا وجعل يقول: