يطرف، فلما رأى ذلك بسط يده فأخذ واحدة، فنزع أعلاها وقوّر أسفلها، فقلنا له:
ما تريد أن تصنع يا أبا الزهراء؟ فقال: إن كان السم يا ابن أخي ففيما ترون! فلما طعمه استخفّه واستعذبه واستحلاه، فلم يكن يؤثر عليه شيئا، وما كنا نأتيه بعد بغيره، وجعل في خلال ذلك يقول:
هذا طعام طيّب يلين ... في الجوف والحلق له سكون
الشّهد والزبد به معجون
فلما كان إلى أيام، قلت له: يا أبا الزهراء، هل لك في الحمام؟ قال: وما الحمام يا ابن أخي؟ قلنا له: دار فيها أبيات: حارّ، وفاتر، وبارد؛ تكون في أيها شئت يذهب عنك قشف السفر ويسقط عنك هذا الشعر. قال: فلم نزل به حتى أجابنا، فأتينا به الحمام، وأمرنا صاحب الحمام أن لا يدخل علينا أحدا، فدخل وهو خائف مترقب، لا ينزع يده من يد أحدنا، حتى صار في داخل الحمام، فأمرنا من طلاه بالنّورة «١» ، وكان جلده أشعر كجلد عنز، فقلق ونازع للخروج، وبدأ شعره يسقط؛ فقلنا أحين طاب الحمام وبدأ شعرك يسقط تخرج؟ قال: يا بن أخي، وهل بقي إلا أن أنسلخ كما ينسلخ الأديم في احتدام القيظ! وجعل يقول:
وهل يطيب الموت يا إخواني ... هل لكم في القوس والأتان
خذوهما منّي بلا أثمان ... وخلّصوا المهجة يا صبيان
فاليوم لو أبصرني جيراني ... عريان بل أعرى من العريان
قد سقط الشّعر من الجثمان ... حسبت في المنظر كالشّيطان!
قال: ثم خرج مبادرا، واتبعه أحداث لنا، لولاهم لخرج بحاله تلك ما يستره شيء؛ ولحقناه في وسط البيوت، فأتيناه بماء بارد، فشرب وصب على رأسه، فارتاح واستراح، وأنشأ يقول:
الحمد للمستحمد القهّار ... أنقذني من حرّ بيت النار