قال سهل بن هارون: إني لأحصّل أرزاق العامة بين يدي يحيى بن خالد في بناء خلا به داخل سرادقه، وهو مع الرشيد بالرقة وهو يعقدها جملا بكفه، إذ عشيته سآمة فأخذته سنة «١» فغلبته عيناه، فقال: ويحك يا سهل! طرق النوم شفري «٢» ، وحلت السّنة جفنيّ، فما ذلك؟ قلت: ضيف كريم، إن قريته روّحك وإن منعته عنّتك، وإن طردته طلبك، وإن أقصيته أدركك، وإن غالبته غلبك! قال: فنام أقلّ من فواق «٣» بكية، أو نزع ركيّة «٤» ؛ ثم انتبه مذعورا، فقال: يا سهل لأمر ما كان! والله لقد ذهب ملكنا، وولى عزّنا، وانتقصت أيام دولتنا! قلت: وما ذاك أصلح الله الوزير؟ قال: كأنّ منشدا أنشدني:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر «٥»
فأجبته من غير روية ولا إجالة فكرة:
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
قال: فو الله ما زلت أعرفها منه وأراها ظاهرة فيه إلى الثالث من يومه ذلك فإني لفي مقعدي بين يديه أكتب توقيعات في أسافل كتبه لطلاب الحاجات إليه، قد كلفني إكمال معانيها بإقامة الوزن فيها، إذ وجدت رجلا سعى إليه حتى ارتمى مكبا عليه، فرفع رأسه فقال: مهلا ويحك! ما اكتتم خير ولا استتر شرّ. قال: قتل أمير المؤمنين جعفرا الساعة! قال: أو قد فعل؟ قال: نعم. قال: فما زاد أن رمى القلم من يده، وقال: هكذا تقوم الساعة بغتة.
قال سهل بن هارون: فلو انكفأت «٦» السماء على الأرض ما زاد. فتبرأ منهم الحميم واستبعد عن نسبهم القريب، وجحد ولاءهم المولى واستعبرت لفقدهم الدنيا، فلا لسان يخطر بذكرهم، ولا طرف ناظر يشير إليهم.