على سخافة الرأي؛ إذ صارت الحظوة الباسقة والنّعمة السابغة «١» في لؤم النية، وتناول الرّزق من جهة محاشاة الوقار، وملابسة معرّة العار.
ثم نظرنا في تعقّب المتعقّب لقولنا، والكاشر لحجتنا، فأقمنا له علما واضحا، وشاهدا قائما، ومنارا بيّنا؛ إذ وجدنا من فيه السّفوليّة الواضحة، والمثالب الفاضحة، والكذب المبرّح، والخلف المصرّح، والجهالة المفرطة، والركاكة المستخفّة، وضعف اليقين والاستيثاب «٢» ، وسرعة الغضب والخفة قد استكمل سروره، واعتدلت أموره، وفاز بالسهم الأغلب، والحظّ الأوفر، والقدر الرفيع، والجواب الطائع، والأمر النافذ، إن زلّ قيل حكم، وإن أخطأ قيل أصاب، وإن هذى في كلامه وهو يقظان قيل رؤيا صادقة في سنة «٣» مباركة.
فهذه حجتنا- أبقاك الله- على من زعم أن الجهل يخفض، وأن الحمق يضع، وأن النّوك يردي وأن الكذب يضر، وأن الخلف يزري.
ثم نظرنا في الوفاء والأمانة، والنّبل والبراعة وحسن المذهب، وكمال المروءة، وسعة الصدر، وقلة الغضب، وكرم الطبيعة، والفائق في سعة علمه، والحاكم على نفسه، والغالب لهواه؛ فوجدنا فلان بن فلان، ثم وجدنا الزمان لم ينصفه من حقّه، ولا قام له بوظائف فرضه؛ ووجدنا فضائله القائمة له قاعدة به. فهذا دليل على أن الطّلاح أجدى من الصّلاح، وأن الفضل قد مضى زمانه، وعفت آثاره «٤» ، وصارت الدائرة عليه كما كانت الدائرة على ضده؛ ووجدنا العقل يشقى به قرينه، كما أنّ الجهل والحمق يحظى به خدينه ووجدنا الشعر ناطقا على الزمان، ومعربا عن الأيام، حيث يقول:
تحامق مع الحمقى إذا ما لقيتهم ... ولاقهم بالجهل فعل أخي الجهل