فازداد وجهه تربّدا واسودّ اسوادادا حتى خفته، ثم قال: فمن كان فقيه الشام؟
قلت: مكحول. قال: فما كان مكحول هذا؟ قلت: مولى.
فازداد تغيّظا وحنقا؛ ثم قال: فمن كان فقيه الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران.
قال: فما كان؟ قلت: مولى.
قال: فتنفس الصعداء، ثم قال: فمن كان فقيه الكوفة؟ قلت: فو الله لولا خوفه لقلت: الحكم بن عيينة، وعمار بن أبي سليمان، ولكن رأيت فيه الشر، فقلت:
إبراهيم، والشعبي. قال: فما كانا؟ قلت: عربيان. قال: الله أكبر! وسكن جأشه.
وذكر عمرو بن بحر الجاحظ، في كتاب الموالي والعرب: أن الحجاج لما خرج عليه ابن الأشعث وعبد الله بن الجارود، ولقي ما لقي من قراء أهل العراق وكان أكثر من قاتله وخلعه وخرج عليه، الفقهاء والمقاتلة والموالي من أهل البصرة؛ فلما علم أنهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم، أحب أن يسقط ديوانهم ويفرق جماعتهم حتى لا يتألفوا ولا يتعاقدوا، فأقبل على الموالي وقال: أنتم علوج «١» وعجم، وقراكم أولى بكم.
ففرقهم وفض جمعهم كيف أحب وصيّرهم كيف شاء، ونقش على يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجّهه إليها؛ وكان الذي تولى ذلك منهم رجل من بني سعد بن عجل ابن لجيم، يقال له خراش بن جابر؛ وقال شاعرهم:
وأنت من نقش العجليّ راحته ... وفرّ شيخك حتى عاذ بالحكم
يريد: الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج على البصرة.
وقال آخر، وهو يعني أهل الكوفة، وقد كان قاضيهم رجلا من الموالي يقال له:
نوح بن درّاج:
إنّ القيامة فيما أحسب اقتربت ... إذ كان قاضيكم نوح بن درّاج