خلفته ظلوما غشوما عاصيا للخالق مطيعا للمخلوق! فازورّ «١» من ذلك الحجاج، وقال: ما أقدمك على هذا وقد تعلم مكانته مني؟ فقال له الأعرابي أفتراه بمكانته منك أعزّ مني بمكانتي من الله تبارك وتعالى، وأنا وافد بيته، وقاضي دينه، ومصدّق نبيه صلّى الله عليه وسلم! قال: فوجم لها الحجاج ولم يجر له جوابا، حتى خرج الرجل بلا إذن. قال طاوس: فتبعته حتى أتى الملتزم فتعلق بأستار الكعبة، فقال: بك أعوذ، وإليك ألوذ، فاجعل لي في اللهف إلى جوارك والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين، وغنى عما في أيد المستأثرين؛ اللهم عد بفرجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة.
قال طاوس: ثم اختفى في الناس فألفيته بعرفات قائما على قدميه وهو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجّي ونصبي وتعبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم مصيبة أعظم ممن ورد حوضك وانصرف محروما من وجه رحمتك.
الأصمعي قال: رأيت أعرابيا يطوف بالكعبة وهو يقول: إلهي عجّت «٢» إليك الأصوات بضروب من اللغات يسألونك الحاجات، وحاجتي إليك إلهي أن تذكرني على طول البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. اللهم هب لي حقك، وأرض عني خلقك، اللهم لا تعيني بطلب ما لم تقدّره لي، وما قدرته لي فيسّره لي.
قال: ودعت أعرابية لابن لها وجهته إلى حاجة، فقالت: كان الله صاحبك في أمرك، وخليفتك في أهلك، ووليّ نجح «٣» طلبتك. امض مصاحبا مكلوءا، لا أشمت الله بك عدوّا، ولا أرى محبيك فيك سوءا.
قال: ومات ابن لأعرابي فقال: اللهم إني وهبت له ما قصر فيه من بري، فهب له ما قصّر فيه من طاعتك، فانك فإنك أجود وأكرم.