قال وسمعت أعرابيا يقول: ما بقاء عمر تقطعه الساعات، وسلامة بدن معرّض للآفات! ولقد عجبت من المؤمن كيف يكره الموت وهو ينقله إلى الثواب الذي أحيا له ليله وأظمأ له نهاره.
وذكر أهل السلطان عند أعرابي فقال: أما والله لئن عزّوا في الدنيا بالجور لقد ذلّوا في الآخرة بالعدل، ولقد رضوا بقليل فان عوضا عن كثير باق، وإنما تزل القدم حيث لا ينفع الندم.
ووصف أعرابي الدنيا فقال: هي رنقة «١» المشارب، جمة المصائب لا تمتعك الدهر بصاحب.
وقال أعرابي: من كان مطيته الليل والنهار سارا به وإن لم يسر، وبلغا به وإن لم يبلغ.
قال: وسمعت أعرابيا يقول: الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة والزهادة في الآخرة مفتاح الرغبة في الدنيا.
وقيل لأعرابي وقد مرض: إنك تموت! قال: وإذا متّ فإلى أين يذهب بي؟
قالوا: إلى الله! قال: فما كراهتي أن يذهب بي إلى من لم أر الخير إلا منه؟
وقال أعرابي: من خاف الموت بادره الموت، ومن لم ينحّ النفس عن الشهوات أسرعت به إلى الهلكات، والجنة والنار أمامك.
وقال أعرابي لصاحب له: والله لئن هملجت «٢» إلى الباطل إنك لعطوف عن الحق، وإن أبطأت ليسرعنّ إليك، وقد خسر أقوام وهم يظنون أنهم رابحون؛ فلا تعرّنّك الدنيا، فإن الآخرة من ورائك.
وقال أعرابي: خير لك من الحياة ما إذا فقدته أبغضت له الحياة، وشر من الموت