فقلت لنفسي: هذا أحد العيدين: الفطر أو الأضحى. ثم رجع إليّ ما عزب من عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك! فبينا أنا واقف أتعجب إذا أتاني رجل فأخذ بيدي فأدخلني بيتا قد نجّد، وفي وجهه فرش ممهدة، وعليها شاب ينال فرع شعره كتفيه، والناس حوله سماطين «١» ، فقلت في نفسي: هذا الأمير الذي يحكي لنا جلوسه وجلوس الناس حوله. فقلت وأنا ماثل بين يديه: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله! قال: فجذب رجل بيدي وقال: ليس بالأمير، آجلس. قلت فمن هو؟ قال: عروس. قلت: وا ثكل أمّاه! لربّ عروس بالبادية قد رأيته أهون على أصحابه من هن أمه! فلم ألبث أن أدخلت الرجال عليها هنات مدوّرات من خشب، أما ما خف منها فيحمل حملا، وأما ما ثقل فيد حرج؛ فوضعت أما منا وتحلّق القوم عليها حلقا، ثم أتينا بخرق بيض فألقيت عليها؛ فهممت والله أن أسأل القوم خرقة منها أرقع بها قميصي، وذلك أني رأيت لها نسجا متلاحما لا يتبين له سدى ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم، إذا هو يتمزق سريعا، وإذا صنف من الخبز لا أعرفه؛ ثم أتينا بطعام كثير من حلو وحامض، وحارّ وبارد، فأكثرت منه وأنا لا أعلم ما في عقبه من التخم والبشم «٢» ؛ ثم أتينا بشراب أحمر في عساس «٣» بيض؛ فلما نظرت إليه قلت: لا حاجة لي به؛ لأني أخاف أن يقتلني! وكان إلى جانبي رجل ناصح لي- أحسن الله عني جزاءه! - كان ينصحني بين أهل المجلس؛ فقال لي: يا أعرابي، إنك قد أكثرت من الطعام فإن شربت الماء همى «٤» بطنك. فلما ذكر البطن، ذكرت شيئا أوصاني به الأشياخ، قالوا: لا تزال حيا ما دام بطنك شديدا، فإذا اختلفت فأوص. فلم أزل أتداوى بذلك الشراب ولا أملّه، حتى داخلني به صلف لا أعرفه من نفسي ولا عهد لي به، واقتدار على أمري؛ وكان إلى جانبي الرجل الناصح لي؛ فجعلت نفسي تحدثني بهتم أسنانه مرة، وهشم أنفه أخرى؛ وأهم أحيانا أن أقول له: يا ابن الزانية! فبينا نحن كذلك، إذ هجم علينا شياطين أربعة: